قلم/ أشرف البربري
ليس أسوأ من جريمة قتل الأبرياء أثناء الصلاة فى الكنيسة البطرسية، إلا محاولة قطيع من السياسيين والإعلاميين تحويل دماء الأبرياء الطاهرة إلى لافتات رخيصة لتملق السلطة ونفاقها من ناحية، والترويج لقيام نظام قمعى وربما دموى من ناحية أخرى بدعوى أن البلاد تخوض حربا ضد الإرهاب.
ما حدث فى الكنيسة البطرسية يوم الأحد الماضى جريمة ضد الإنسانية وانتهاك لكل القواعد والشرائع، توجب إنزال أشد العقاب بمرتكبيها، بشرط أن يكونوا بالفعل هم مرتكبوها وليسوا متهمين على طريقة ما حدث قبل ست سنوات عندما فاجأنا حبيب العادلى وزير داخلية مبارك فى احتفالات عيد الشرطة يوم 23 يناير 2011 بتقديم مظروف أصفر إلى الرئيس يكشف فيه اسماء منفذى تفجير كنيسة القديسين فى الإسكندرية الذى وقع ليلة رأس السنة، لتخرج صحف الحكومة فى اليوم التالى بعناوين تقول «هدية الشرطة للرئيس.. جيش الإسلام الفلسطينى التابع لتنظيم القاعدة وراء تفجير كنيسة القديسين»، «ننفرد بنشر أول صورة لأحمد لطفى المتهم فى تخطيط حادث القديسين»، ثم نكتشف أن كل ما قيل عن مرتكبى هذه الجريمة كان أكاذيب روجتها داخلية حبيب العادلى.
الترويج لانتهاك الدستور لتوسيع دائرة المحاكمات العسكرية، وتشويه منظومة العدالة المصرية بتعديلات قانونية مشكوك فى شرعيتها من أجل تسريع وتيرة المحاكمات، هو الجريمة الأخطر والأكبر القادمة لأنها ضد حاضر الدولة ومستقبلها وتعمق الشكوك فى نزاهة وجدارة منظومة العدالة، خاصة وأن العالم لم يستوعب حتى الآن صدمة إصدار أحكام الإعدام بالجملة ضد المئات، حتى لو كانت هذه الأحكام ابتدائية وألغتها محكمة النقض فيما بعد.
وهل قرأ هؤلاء الإعلاميون والسياسيون الذين يروجون لانتهاك الدستور ونسف ضمانات المحاكمة العادلة التحقيق المميز للزميل محمد جمعة فى الشروق بعد اغتيال النائب العام هشام بركات فى يونيو 2015 لرصد وتيرة المحاكمات فى قضايا العنف والإرهاب ما بعد 30 يونيو 2013، ليعرفوا أنه تم إسناد 26 قضية إرهاب إلى 6 دوائر فقط، متهم فيها عدد كبير من قيادات جماعة الإخوان والجماعات الكفيرية، وشباب الثورة فانتهت هذه الدوائر من الحكم فى 16 قضية، معظمها تراوحت مدة نظرها حتى صدور الحكم من 4 شهور إلى 8 شهور.
ولهؤلاء الذين يقولون إن التزام المحكمة بسماع الشهود يطيل أمد التقاضى، يقول الزميل محمد بصل إن التأجيلات فى أغلب قضايا الإرهاب كانت إما بسبب «عدم إحضار المتهمين» و«عدم حضور شهود الإثبات» وهم ضباط الأمن الوطنى، بما يعنى أن التأجيل فى معظم الحالات يعود إلى الشرطة أو أجهزة الدولة.
أما من يتكلمون عن إلغاء محكمة النقض لأحكام الجنايات، فإنهم يجهلون أو يتجاهلون أن إلغاء هذه الأحكام يكون لقصور فى أداء المحكمة التى أصدرت الحكم وليس لأى سبب آخر، فى حين أن الأحكام المنضبطة يتم تأييدها من أول مرة كما حدث فى حكم قاتل الأطفال فى الإسكندرية.
أخيرا أقول إن نسف ضمانات المحاكمة العادلة أو التوسع فى انتهاك مواد الدستور الذى لم يجف مداده بعد، لا يعنى أكثر من تحويل الدولة إلى «كيان داعشى» لا يأبه بقيم العدالة والنزاهة واحترام الحقوق والحريات، ولن يفيد سوى الإرهابيين ومن يواليهم دون أن يردعهم ذلك لأنهم ببساطة يتكاثرون فى أجواء القمع والظلم والاستبداد، أكثر مما يتزايدون فى ظل دولة القانون والدستور رغم كل ما يردده الجهلة والمنافقون وعشاق دولة الاستبداد.
بنود مترابطة -