- القاهرة دعمت موقفها أمام الرياض بمد جسور التواصل المباشر مع سوريا والالتحاق بالمحور الروسى الجزائرى العراقى
- مصر تتغاضى عن ذكر أى دور للأمن السعودى فى إجهاض محاولة اغتيال السيسى ومحمد بن نايف بمكة
-عدم انسحاب مصر من القمة العربية الإفريقية إشارة ود للجزائر.. واستقبال مسؤول أمنى سورى بالقاهرة فاجأ الجميع
- التصعيد الإيرانى فى الخليج يجبر الرياض على المهادنة.. والمصالحة مع المملكة «تكتيكية» للحفاظ على العلاقات مع الإمارات والخليج
- تعقد المشهد الإقليمى فى المنطقة سيعمق الخلافات المصرية السعودية.. والانفصال التام قادم لا محالة
الأرجح، أن تُعلن مصالحة مصرية سعودية بوساطة خليجية، وعلى وجه التحديد إماراتية، فى أى لحظة، بيد أن الخلافات بين القاهرة والرياض ستتواصل، حتى لو تأجل العتب والتشاحن حولها إلى حين، ليصل البلدان إلى انفصال حتمى لا محالة.
القصة تتجاوز بكثير مساحات الغضب المصرى من سياسة العصا التى اتبعتها المملكة العربية السعودية مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الفترة الأخيرة، والجهر بأحاديث المساعدات وطلب تسديد الفواتير، قبل أن يصل الأمر إلى إغلاق صنبور الدعم البترولى المقدم وفق اتفاق تجارى رسمى من قبل الرياض إلى القاهرة، ناهيك بتطاول إعلامى غير رسمى تجاه الأخيرة وقادتها.
الحسابات المصرية السعودية تعقدت بصورة لافتة خلال الشهور القليلة الأخيرة، حتى صار الصدام حتميا، ومن ثم وحتى مع الوضع فى الاعتبار انحياز القيادات فى بلاد النيل أو نظيرتها فى بلاد الحجاز، لعدم التصعيد الحاسم، كرامة لنظام آل زايد على وجه التحديد، فإن الانفجار النهائى قادم قادم، فالبلدان صارا فعليا على طرفى نقيض.
ورغم بعض الهجمات الإعلامية المتفرقة، هنا أو هناك، التزمت مصر الرسمية الصمت الكبير فى تلك الأزمة.
فقط الرئيس السيسى، أوضح قبل أسابيع، أن هناك خلافات فى الرؤى بخصوص الوضع فى سوريا، قبل أن يعلق على إيقاف شركة أرامكو السعودية إمداداتها البترولية المتفق عليها مع القاهرة، بأن الأخيرة ستتخذ المسالك الرسمية القانونية لحفظ حقها.
كان السيسى حريصًا، ومن بعده وزارة الخارجية، على إيضاح سر تصويت مصر على قرار روسى يناوئ الرؤية السعودية، بشأن الوضع فى حلب.
بدا الرئيس أقرب لمنظر يوضح للسعوديين أنهم وقعوا فى سوء الفهم.. كما لم ينس أن يذكر أن القاهرة لا تغضب من حلفائها، ومن بينهم بالطبع الرياض، إذا ما تعاونت أو نسقت مع أعدائها.
التلميح الرئاسى كان واضحًا، فالرياض على وئام تام حاليًا مع الأتراك، وربما مع القطريين، أعدى أعداء نظام السيسى فى الوقت الراهن.
الجميع يدرك فى المملكة وفى بلاد النيل، أن الأولى تدفع بثقل فى التحركات التركية داخل الأراضى العراقية والسورية، وذلك على خلاف الرؤية المصرية فى هذا الشأن.
السيسى لم يفوت الفرصة، ورفع شعار «اللى بيته من زجاج»، فإذا كانت الرياض تغضب لمجرد وضع القاهرة يدها فى يد من لا يسير فى ركاب الأولى أو حتى هى لا تسير فى ركابه، فلماذا لم يسأل أحد فى المملكة نفسه عن سر عدم ضيق مصر من تعاونها المفرط عسكريا وأمنيا واقتصاديا وسياسيا مع الدوحة وأنقرة؟
الأقرب، أن القاهرة قصدت عدم إبداء أى امتعاض من التحركات السعودية المهادنة مع القطريين والأتراك، وكذا مع الإخوان، على أساس أن يُقر مبدأ أن الدول أدرى بمصالحها الذاتية، وأن التحالف لا يعنى أن ينسى كل بلد أهدافه الاستراتيجية التى قد تتعارض مع حسابات أقرب الأقرباء إليه.
القاهرة تركت الرياض تفعل ما تريد أولًا، حتى لا تلام بعد ذلك.. لكن المملكة، أو بالأحرى قياداتها الجديدة القابضة على الزمام مع جلوس الملك سلمان بن عبد العزيز على عرش آل سعود، وتنصيب نجله الشاب، محمد بن سلمان، وليا لولى العهد، وإطلاق يده فى ملفات أمنية واقتصادية ضخمة، لم تقبل بما قبلت به هى على نفسها.
وعمومًا، لموقف الرياض العصبى من القاهرة حزمة دوافع، لعل أبرزها موقفها المأزوم بسبب كم الخسائر السياسية والعسكرية لها فى اليمن والعراق وسوريا ولبنان، فضلًا عن العجز الاقتصادى الكبير جراء انخفاض أسعار النفط، ناهيك بالتكاليف الرهيبة التى تتكبدها السعودية فى الحرب اليمنية، وفى دعمها الضائع حتى الآن من أجل الإطاحة ببشار الأسد من السلطة فى دمشق.
أضف إلى ذلك الضغط الإيرانى الرهيب عليها، وسوء العلاقات الحالى مع واشنطن، وإحساس المملكة بغدر غربى لها فى مقابل منح طهران فرصة لابتلاع الخليج، ومد أذرع طولى لها فى كل الشرق الأوسط السنى.
مع سوء الوضع، شعر السعوديون بأنهم يواجهون المجهول بمفردهم، فطالبت بعض قياداتهم بدفع فواتير المساعدات التى سبق تقديمها لكثيرين ومن بينهم لبنان ومصر.
فى حالة الأخيرة، تصورت القيادة الشابة فى المملكة أنها ستشمر عن ساعديها عسكريا وسياسيا على وجه التحديد، لإنجاح الاستراتيجيات السعودية بالمنطقة.. بساطة منح الرياض ملكية وسيادة تيران وصنافير أغرتهم بالمزيد على ما يبدو.
السعوديون هالهم الظهور العسكرى المصرى الرمزى فى اليمن، وصدمهم رؤية القاهرة لعدم تقسيم سوريا ولو كان الثمن بقاء الأسد فى موقعه، بينما مثل تماهى نظام السيسى مع الموقف الروسى فى هذا الشأن قمة الغضب الملكى من بلاد النيل، فبدأت المعايرات، التى رفضتها الأخيرة جملة وتفصيلًا، قبل أن تشرع فى تحركات واتصالات علنية وسرية، وفى مواقف تعيد الأوضاع إلى نصابها، وترد بها على ما اعتبرته إهانة.
إفصاح القاهرة عن تفاصيل إسقاط خليتين داعشيتين كانتا خططتا لاغتيال السيسى، مرة فى القاهرة، وأخرى بمكة، بدا أن له بعضًا من الحسابات السياسية.
عملية مكة، كانت تستهدف السيسى والأمير محمد بن نايف (ولى العهد حاليًا)، بما منح شعورًا أن مصر أرادت التأكيد أن لها فضلًا ليس فقط فى عدم إحراج الرياض لو أن مكروهًا قد حل بالرئيس (وكان ساعتها لا يزال وزيرًا للدفاع) على أراضيها، ولكن أيضًا فى إنقاذ شخصية سعودية كبيرة.
لاحظ أن بيان النائب العام بشأن تفاصيل الواقعتين، لم يشر من قريب أو بعيد لأى دور للرياض فى إفشال عملية مكة.
بالتوازى مع ذلك، كان التحرك المصرى فاعلًا، ولكن على المستوى السياسى فى الملف السورى، باستقبال قيادة استخباراتية من دمشق، دون سابق إنذار قبل أسبوعين، ما رد عليه وزير خارجية الأسد، وليد المعلم بإشادة كبيرة بالجهد المصرى فى حل أزمة التقاتل الأهلى ببلاده.
مصر سارعت كذلك إلى مد جسور التواصل مع دولتين نفطيتين كبيرتين، هما العراق والجزائر، لتعويض ما ترتب على وقف الإمدادات البترولية السعودية، وبالتوازى كان التنسيق السياسى مع البلدين واضحًا، لكونهما يسيران فى ركاب التحالف الروسى الداعم لعدم تقسيم سوريا، وضرورة نزع سلاح الميليشيات المتطرفة الدينية والمدنية، وهى بالمناسبة رؤية القاهرة أيضًا.
عدم انسحاب مصر من القمة العربية الإفريقية، التى عقدت مؤخرًا فى غينيا الاستوائية، كما فعلت السعودية وعدد من الدول الأخرى تضامنًا مع المغرب التى اعترضت على إصرار الاتحاد الإفريقى على مشاركة وفد الصحراء «جبهة البوليساريو»، بدا وكأنه إشارة ود كبيرة من جانب القاهرة تجاه الجزائر، التى تدعم الجبهة نكاية فى الرباط.
صانع القرار السياسى الخارجى فى القاهرة، يدرك بالقطع أن حسابات التضامن العربى، ولو كان على الورق، سيحتم إتمام ولو مصالحة شكلية أو تكتيكية مع الرياض، التصعيد الإيرانى بإعلان السيطرة على مضيق هرمز والخليج العربى، سيجبر المملكة على احتواء القاهرة أيصًا، وخصوصا أن أحاديث التقارب السلس بين الأخيرة وطهران، ولو مستقبلًا، لم يعد مستبعدًا.
لذا، كان الإصرار كبيرًا على تعديد كروت الضغط والقوة المصرية تجاه المملكة، حتى تكون المصالحة بكرامة أولًا، وثانيًا استعدادًا لطلاق بائن قادم فى الطريق مع المملكة، حتى ولو تأجل حاليًا، على أساس أن تسارع الأحداث وتعقدها وتشابكها فى مختلف الملفات الملتهبة فى المنطقة، سيجبر الجميع على التسليم بأن نظامى السيسى والملك سلمان، يقفان على ضفتين متعارضتين.